نعود لنختم هذه اللمحة .
بقول السيد الجليل علي بن أبي طالب عليه السلام :
يقول عليه السلام عن صفات الملائكة :
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ .
وَ عِمَارَةِ الصَّفِيحِ الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ .
خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ .
وَ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا .
وَ حَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا .
وَ بَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ .
زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ .
وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ .
سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ .
وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ .
الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ .
سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا .
فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا.
وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ .
أُولِي أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ .
لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ .
وَ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ .
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ .
جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ .
وَ حَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ .
وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ .
فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ .
وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ .
وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ .
وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَى تَمَاجِيدِهِ .
وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامِ تَوْحِيدِهِ .
لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ .
وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ .
وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ .
وَ لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ .
وَ لَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ .
وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ .
وَ مَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ .
وَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ .
وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ .
وَ فِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ .
وَ فِي قَتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ .
وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى .
فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ الْهَوَاءِ .
وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ .
قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ .
وَ وَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ .
وَ قَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ إِلَيْهِ .
وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ .
قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ .
وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ .
وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ .
فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ .
وَ لَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ .
وَ لَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ .
وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ .
وَ لَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلَالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ .
وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ .
وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ .
وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ .
وَ لَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ .وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ .
وَ لَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ.
وَ لَا تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ .
وَ لَا تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ .
قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ .
وَ يَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ .
لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ .
وَ لَا يَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ .
إِلَّا إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ .
لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ .
وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ .
لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ .
وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ .
وَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ .
وَ لَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ .
وَ لَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ .
وَ لَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّيَبِ .
وَ لَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ الْهِمَمِ .
فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ .
لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَ لَا عُدُولٌ .
وَ لَا وَنًى وَ لَا فُتُورٌ .
وَ لَيْسَ فِي أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ .
إِلَّا وَ عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ .
أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ .يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً .
وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً .